في إحدى المدن الصينيَّة المسلمة، كان هنالك بيتٌ يَجمعه العطْف والحنان؛ صغيرُهم يوقِّر الكبير، كانت هذه العائلة تتكوَّن من أبٍ وأمٍّ وابنٍ لهما، إضافة إلى الجدَّين المسكينَين، فبمجرَّد النَّظر إلى الجدّ تجده هرمًا عظامُه هشَّة والنَّظر ضعيف، وأمَّا عن حالة الجدَّة، فهي صمَّاء، ولكن العائلة تخطت المشكلة بفضل لغة الإشارة الَّتي تستعْمِلها العائلة لتفهم الجدَّة ما يقوله كلّ فرد من الأسرة.
مضت السنون والعائلة على أتمّ السَّعادة.
تشتَّتت أفراد هذه الأسرة إثْر وفاة الجدَّة الَّتي كانت معلِّمة، تدرّس الأسرة رغْم أنَّها صمَّاء ولكنَّها تتحدَّى، كانت تحذِّر الأسرة من كلِّ ما أضرَّ، وترشدها لكل ما نفع، غابت المعلمة الفاضلة ولن تعود، ولن يكون أحد خلفَها في مثل حنانِها وعطْفها وأسلوب نهيِها، بقِي التَّلاميذ فاقدين كيفيَّة التصرُّف مع الحياة الصَّعبة التي تنتظِرُهم، أحد التلاميذ يخرج من القسم؛ فقد غادر الأب المنزل من صدمة وفاة أمِّه الحنون.
بقيت الأمّ والجدّ والولد الصَّغير البالغ من العمر 6 سنوات فقط.
في ليلةٍ من ليالي الشّتاء الباردة، مرِض الجدّ مرضًا شديدًا، واضطرَّت الأمّ المسكينة أن تحمل الجَدَّ وتهرع به إلى المستشْفى، على قدمِها من دون سيَّارة، المنظر الَّذي تحمله الصورة يدعو إلى البكاء، لقد كان الثَّلج يلامس ركبتَي الأم، وابنها يَتبعُها ويصرخ بكاءً، لا يستطيع أحد أن يصِف ذلك المنظر الذي تتفطر له القلوب.
وصلت الأمّ إلى المستشْفى ورجلاها متجمِّدتان، والابن لا زال يبْكي ويصرخ بكلمة "جدي"، والأمّ تضمُّه إلى حضنها وتدْفئُه بحنانها، جاء الأطبَّاء وقد علموا أنَّ حالة الشَّيخ من سيئ إلى أسوأ، فأدخلوه إلى غرفة "إن عاش"، زاد قلَق الأم وتوتُّرها عندما سحبوه نحو هذه الغرفة المفْزعة، لحِقت الأمّ الأطبَّاء متوسِّلة منهم إخبارَها بحال المسكين، فإذا بها ترى الجَدَّ تَحت أجهِزة مُفْزعة وأنابيب كثيرة متعدِّدة الأحجام، وكأنَّه على وشك الصعود إلى الفضاء.
في هذا الوقت كان الأبُ قد عاد إلى البيْت حنينًا إلى ابنه الصَّغير وأبيه المسكين وزوجته هي الأخرى، لكنَّ الأب وجد الباب مفتوحًا وخاليًا من العائلة، توتَّر الأب وجلس يحدِّث نفسه قائلا: ليْتني لم أُغادر البيت، وبقِي يوبخ نفسه على فعلته الرَّديئة.
خرج الأب من البيت لعلَّه يجد الأهل.
في هذا الوقت كان الطَّبيب يسأل الأمَّ قائلا: أين زوجُك؟
قالت: لا أعلم، قال الطَّبيب: وهل تعرفين رقم هاتفه؟ قالت: نعم، تفضَّل.
اتَّصل الطَّبيب بالأب، رنَّ الهاتف: رن، رن، رن، رن.
حمل الأب الهاتف.
الأب: ألو، من معي؟
الطبيب: ألو، معك طبيب المستشْفى الولائي الكبير، أبوك هنا، نستدْعيك للحضور.
الأب: نعم، سوف آتي.
قصد الأب المستشْفى، وما أن دخل حتَّى استقبله ابنُه بكلِمة: "أبتاه"، وردَّ الأب بعبارة: "اشتقت إليك يا فؤادي".
ثمَّ تقدَّم من زوجته: كيف حالك؟ قالت: كيف تسألُني هذا السؤال في مثل هذا المكان؟!
وفجأةً، خرج الطَّبيب مسقطًا رأسه، أصفر اللون، يَمسح الدموع، وقال: أنتم تأخرتم في إيصاله إلى المستشفى، أمَّا حالته فهي خطيرة للغاية، أمَّا الآن فعظَّم الله أجركم، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
سقطت من الأب دمعتانِ؛ الأولى لأنَّه هو مَن تركَ العائلة وحيدةً، أمَّا الدَّمعة الثَّانية فهي لفقْدان أبيه دون أن يراه.
كانت الأمُّ تبْكي وتصرُخ وتقول: الذَّنب ذنبي أنا مَن تأخَّرتُ في إيصاله.
أمَّا الطفل فقد كان يصرُخ: أين جدِّي، أين جدي؟ أريد جدي.
وطلب من الطَّبيب أن يُريه الجدَّ، فأخذ الطفل يقبِّل جدَّه ويقول: أفقْ يا جدّي، أفق يا جدي، نحنُ في حاجة إليك.
وغادر المستشفى والدموع لا زالت تسيل.